Tunisie

الفلوجة: لا لمحاكم التفتيش

الفلوجة مدينة في محافظة الأنبار في العراق، تقع على بعد حوالي 69 كيلومترا غرب العاصمة بغداد. تشتهر الفلوجة بتاريخها العريق وتعد واحدة من أقدم المدن في المنطقة، كما أنها مركز تجاري هام في العراق.عرفت الفلوجة بمقاومتها الشديدة ضد الغزو الأمريكي في عام 2003، كانت مدرستها قد تحولت إلى ثكنة للقتال ولم تعرف الاضطرابات أيام الاحتلال لسيطرة الجيش العراقي عليها، وكانت المدينة مسرحا للكثير من الاشتباكات العنيفة بين القوات الأمريكية والمقاتلين المسلحين. فالفلوجة رمز لمقاومة الاستعمار والبطولة. وعلى الرغم من أن الحرب انتهت منذ فترة طويلة، إلا أن الفلوجة لا تزال تعاني من الآثار السلبية للحرب وفي الفترة بين عامي 2014 و 2016، كانت الفلوجة تحت سيطرة تنظيم داعش، وقد تعرضت المدينة لحملات عسكرية شديدة من قبل القوات العراقية والتحالف الدولي لاستعادة السيطرة عليها. وخلال فترة سيطرة داعش على الفلوجة، تعرض السكان لانتهاكات حقوق الإنسان وأعمال عنف وتدمير، حيث قتل ونزح الآلاف منهم ودمرت البنية التحتية فها .وفي جويلية 2016، تمكنت القوات العراقية من استعادة السيطرة على الفلوجة بعد معارك شديدة مع داعش، وتم تحرير المدينة من الجماعة المتطرفة. تحول اسم هذه المدينة العظيمة إلى اسم عمل درامي أثار زوبعة منذ عرضه الأول لاستفزازه الرأي العام. بين مهدد بإيقافه ورافع ضده قضية وساخر ومندد ومستفظع ومستنكر بدت مواقف الجمهور متباينة من محتوى السلسلة الدرامية. بل لقد ذهب البعض إلى اعتبار ذلك مؤامرة ضد التربية والمربين والمجتمع. فطالبوا بمنع العرض وبقوة القانون كما لو كانوا محكمة تفتيش العصور الوسطى

بين سنوات 1478 و1834 قامت السلطات الإسبانية بتشكيل محاكم سميت بمحاكم التفتيش، وكانت تتولى مهمة الرقابة على الفن والإعلام والتعبير. وكانت هذه المحاكم تتخذ قرارات قاسية ضد المبدعين والفنانين الذين اعتبرت أعمالهم مسيئة للدين أو الأخلاق أو السلطات السياسية. أما خلال فترة الاتحاد السوفياتي، كان النظام الشيوعي يفرض رقابة صارمة على الفن والإعلام والتعبير، ويعتبر أي شخص يعبر عن آرائه أو معتقداته بطريقة تتعارض مع السياسة الحكومية بأنه يخالف القوانين ويجب معاقبته بقسوة، و خلال فترة الحكم النازي في ألمانيا، فرض النظام النازي رقابة قاسية على الفن والإعلام والتعبير، واعتبر أي عمل فني يعبر عن آراء مخالفة للنظام النازي أو يتعارض مع أفكاره بأنه يعمل ضد الدولة ويجب محاكمته.هذه الأمثلة توضح الخطر الحقيقي الذي تمثله الرقابة على حرية التعبير والفن، وكيف أنها قد تؤدي إلى الحد من التنوع والإبداع في المجتمع، وتؤثر على حقوق الفرد في التعبير حتى عن آرائه السيئة أو المغلوطة والتي يمكن أن نفندها بالتعبير الفني أو الصحفي وليس بالمنع والزجر والعقاب

إن انحراف الشباب لا يمكن أن يكون سببه كامنا في عرض أسماء المواد المخدرة عليهم، بل في توفيرها لهم عبر مافيات التهريب الذين يتاجرون بكل شيء: بالدين والتجارة الموازية، والسلاح ويستغلون جهل الناس وضعفهم وفقرهم ليزيدوهم فقرا وجهلا وضعفا. وإن مشكلة التعليم تكمن أولا في الفاعلين العاجزين لأسباب عديدة عن مواكبة العصر المتطور الذي لم تعد المدرسة فيه بشكلها التقليدي المصدر المقدس والوحيد للمعرفة والترقي الاجتماعي. وإن مخاطر الصمت والرقابة على الأجيال الجديدة أكبر من مخاطر التوظيف الفني لتابوهات المجتمع. هذا الرأي ليس تقييما للمسلسل الذي لم تكتمل عرض حلقاته ليمكن تقييمه، ولا يمكن تقييمه بمنظور أخلاقي ولكنه موقف مبدئي يتعلق بكل عمل له طابع إبداعي حتى لو كان غير محقق لوظيفة الإبداع حقا، فمعاقبة الأعمال الفنية تكون بالمقاطعة والعزوف عن استهلاكها أي بفشلها في جلب المشاهدين وهو ليس الواقع فيما يخص أعمال الفهري التي تدغدغ مايستفز المجتمع فترتفع أسهم الاعمال ويمتلئ جراب منتجها بالنقود وهو ما يحتاج إليه لتسويق بضاعته وجني المزيد. إنّ أشد ما يهدد التربية والتعليم التونسيين هو ضيق العقول عن النقد وتقبل صور أخرى مختلفة عما نعتقده عن التعليم والتربية والمجتمع، كما أن أخطر ما يهدد الشباب هو إنكار الدوافع الحقيقية التي تضعهم أمام العنف والمخدرات والتسرب المدرسي، إنّ المدرسة التونسية لا تزال تقاوم الاستعمار بكل قوتها: استعمار الخوف من النقد واستعمار الجهل المقدس واستعمار سلعنة التعليم وتحويل المعرفة إلى تجارة لا غير، إن المدرسة التي علمتني القراءة والكتابة لهي فلوجة تونس: مدينة المقاومة والبطولة جعلت مني ومن آلاف مثلي ما نحن عليه وجعلت من بلدنا الجريح يقاوم . ولا خوف على التربية والقيم إلا من خطر واحد: التعصب والاستبداد ومحاكم التفتيش

زينب التوجاني