Tunisie

نهاية الغنوشي أم النهضة ؟.. أم الاثنان معا ؟

م يكن يوم الاثنين 17 أفريل 2023 الذي تزامن مع حلول ليلة القدر يوما عاديا في بلادنا فقد تحقق فيه ما كان صعبا كي لا نقول مستحيلا وأقدمت قوات الأمن على إيقاف رئيس النهضة راشد الغنوشي في بيته الذي خضع للتفتيش بالتزامن مع موعد الإفطار تقريبا في إطار أبحاث في قضية جديدة تتعلق بـ»تصريحات تحريضية» أدلى بها قبل يومين خلال مسامرة رمضانية في مقر ما يسمّى بجبهة الخلاص

ليس ذلك فحسب، تمت في ساعة متأخرة مداهمة المقر المركزي للحركة مباشرة بعد نقطة إعلامية عاجلة، ويوم أمس قرر وزير الداخلية كمال الفقي في برقية موجّهة إلى الولاة ومديري الأقاليم للأمن والحرس الوطنيّين ورؤساء المناطق الجهوية للأمن الوطني تحجير الاجتماعات بمقرات النهضة بكامل تراب الجمهورية ومقرات «جبهة الخلاص الوطني» بتونس الكبرى استنادا إلى القانون المتعلق بحالة الطوارئ وبالتالي تعذر على «الجبهة» عقد ندوة صحفية كانت مبرمجة في الصباح

وقد أكدت الجهات الرسمية القضائية والأمنية أن كل ما تم اتخاذه من إجراءات تم وفق القانون فيما شددّت قيادات قليلة من النهضة ومن محاميها على خلاف ذلك، ويصعب حسب رأينا أن تقترف الجهات الرسمية «أخطاء إجرائية» أو «قانونية» وهي توقف شخصية في حجم راشد الغنوشي الذي تتجاوز مكانته «الاعتبارية»حدود الوطن وهو يعد من أبرز قيادات الإسلام السياسي في المنطقة والعالم

وخلافا للمرات السابقة التي كان رئيس النهضة يُستدعى فيها للتحقيق ويخرج منتشيا و«مستفزا» لـ«خصومه» وسط أنصاره تغيّر الأمر هذه المرة، فلا هو خرج ولا الأنصار نزلوا بكثافة أو ردوا الفعل بشكل يتناسب مع مكانة : زعيمهم

إننا بعيدا عن القراءات القانونية والمقاربات الأمنية والمسارات القضائية، يمكن أن نعتبر أنه ثمّة احتمال كبير أن تكون التصريحات الأخيرة «التحريضية» – كما قالت الداخلية – لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في المسامرة الأخيرة لما يسمّى جبهة الخلاص، بمثابة التصريحات العلنية الأخيرة بالفعل لشخصية هيمنت على مشروع الإسلام السياسي في تونس وعلى حركة النهضة التي بدأت مجرد جماعة في المساجد والكتاتيب وتحوّلت بمرور الوقت إلى القوة السياسية الحاكمة والمتحكمة في تونس

ولا يمكن هنا الفصل بين ما قاله راشد الغنوشي خلال المسامرة وما قاله صهره رفيق بوشلاكة قبل أيام في تدوينة أثارت الكثير من الجدل ودفعت بالحركة إلى إصدار بيان توضيحي تتنصل فيه من كلام الصهر وها هو راشد الغنوشي يكشف وجهه الحقيقي ويؤكد بنفسه أن موقفه من المؤسسة العسكرية ومن النخب ومن المجتمع التونسي لم يتغير فهو القائل ذات يوم ان الجيش والأمن والإعلام غير مضمون

في حديث الغنوشي عن الانقلاب قال بأنه لا يُحتفى بالانقلاب وإنما يُرمى بالحجارة وان النخبة التونسية ارتكبت فضيحة باحتفائها بهذا الانقلاب لذلك يفتي ان جاز القول بعدم ممارسة السماحة مع النخب وعدم التساهل معهم. ليس ذلك فحسب عندما يقول راشد الغنوشي ان تونس بدون النهضة والاسلام السياسي مشروع حرب أهلية فهذا كلام لا يمكن للنيابة العمومية ان تصمت عليه لذلك وبخلاف المرات السابقة التي دعي فيها للتحقيق في اكثر من ملف وقضية مفتوحة في علاقة بتبييض الأموال والإرهاب والتسفير وغيره ثم عاد الى بيته فرحا مسرورا هذه المرة قد تتغير المعادلات وقد يجد نفسه رهن الايقاف لمدة قد تطول مع الأخذ بعين الاعتبار وضعه الصحي وتقدمه في السن لكن ما أتاه في كلامه يهدّد بالفعل السلم الأهلية ويثير النعرات و«التدافع» بين التونسيين

وللتذكير دائما ليس من باب التحامل على راشد الغنوشي ولكن بالعودة الى سجله والى سجل حركته والجماعات الإسلامية بشكل عام فهي عندما يضيق بها المجال ويُضيّق عليها الخناق تجنح لما يعرف بتحرير المبادرة الفردية التي تفتح الباب للانفلات والعنف وغيره كما حصل في تسعينات القرن الماضي عندما عرفت تونس ما يشبه المحرقة خلال مواجهة عنيفة بين النهضة والسلطة

وهنا ليس من مصلحة السلطة أن تحاكي السلطة القديمة وتعويم المواجهة وتعميمها فالديمقراطية إن كنا متمسكين بها ومتواجدين في ناديها تفرض علينا – إلى أن يأتي ما يخالف ذلك – قبول الوسائط التقليدية أحزابا وجمعيات ونقابات وقوى مدنية وسياسية على قاعدة معيار وحيد هو الانحناء لمدنية الدولة وقيمها الجمهورية ومكاسبها الحداثية. لقد أخطأ الغنوشي في تقدير الكلام وفي تقدير التوقيت على المستويين المحلي والخارجي

وطنيا، لا ندرك كيف يتجاهل «الشيخ» حجم الامتعاض الشعبي والرفض الشديد لشخصه في الحياة العامة، نقول ذلك ليس فقط بالاستناد الى استطلاعات الرأي المثيرة بدورها للجدل ولكن بالنظر إلى المزاج الشعبي وإلى أبناء التنظيم ذاته لدرجة يتساءل فيها المرء ماذا بقي من النهضة ؟ ولماذا كانت ردود فعل «الأبناء» محتشمة ؟
إقليميا ودوليا، التبرير الوحيد لتصريحات الغنوشي أنه أراد إحراق مراكبه ووضع الجميع أمام الأمر الواقع فالمحور الذي كان يدعمه، يبدو أنه رفع يديه وأجرى مراجعات وبدأ في اتخاذ مواقف ليست في صالح الإسلام السياسي باستثناء الإدارة الأمريكية التي ما تزال لها مصالح وحسابات محدودة ايضا معه

يمكن القول في النهاية ان نهاية راشد الغنوشي ونهاية تنظيمه كانت بالفعل تدريجية وتراجيدية فهو انتهى كرئيس للبرلمان وانتهى كـ«بدر طلع على البلاد» وانتهى أيضا كزعيم موحد للإسلاميين في تونس بعد خروج الكثير من أبناء الحركة وقفزهم من مركب التنظيم وتأسيس مشاريعهم المدنية أو السياسية الخاصة أو «التقاعد» من العمل العام، واليوم، بفتح الملفات القضائية الحسّاسة يمكن القول أننا بصدد طيّ صفحة ابرز شخصية في قائمة شخصيات الإسلام السياسي في تونس ودون مبالغة في العالم بأسره

بقلم: مراد علالة