Tunisie

المطرقة الإشهاريّة الرمضانيّة : ذوق و إبداع

شهر رمضان شهر الاستهلاك بامتياز. و في هذا العام خرج علينا المشهِّرون بموضة جديدة و أسلوب جديد واحد كأنّهم قد اتّفقوا عليه و على نجاعته في اقتيادنا إلى بضائعهم بالسلاسل. لقد اعتمد المشهّرون أسلوب الغناء و اعتمدوا مع الغناء أسلوب الرّقص و اعتمدوا مع الغناء و الرقص أسلوب الحشد لأكبر عدد ممكن من خلق الله حول البضاعة التّي يشهّرون بها، كما اعتمدوا في تلحين الغناء الإيقاع السريع الهائج الصائح الذي، إن سمعه المشاهد، حسب فلسفتهم، هبّ صارخا سعيدا لاهجا بالبضاعة موضوع الإشهار. و بذلك يقع المشاهد في الفخّ و يتوجّه إلى شراء تلك البضاعة مردّدا ألحانها و صارفا من أجلها صرفا لا شعوريّا و بدون حساب. و يقول سادتنا علماء النفس إنّ هذه الحيلة الإشهاريّة القائمة على الغناء حيلة ناجعة في الإيقاع بالحيوان و بالذوات البشريّة الضعيفة السّطحيّة المرهفة الحساسيّة، و يقول المثل الشعبيّ : كلمة في الصباح و كلمة في العشيّة ترُدْ المسلمة يهودية

و رغم النفقات الباهضة للإعداد المادّي للإشهار الرمضاني في هذا العام و كذلك الإعداد الفنّي و كذلك الإعداد الأدبي الشعريّ خاصّة، فإنّ المتأمّل في الكلمات و الألحان و الأداء لا يقف فيها على إبداع و لا على ذوق و لا على احترام لتراثنا و لا لتقاليدنا و لا للذائقة التونسيّة التّي ننتظر من الإشهار أن يحافظ عليها بل أن يهذّبها و يرتقي بها.
فهذا إشهار أصبحت فيه الدّجاجة معشوقة متغزّلا بها و »تربيجتها » « دجا دجا » « أوه دجا دجا » وهي تتجلّى و « تتهشهش » كالعروس في التبسي و الكوشة و غيرها، و هذا إشهار ثان يتحوّل فيه العدل الوقور في حفل كتابة الصداق إلى مهرّج و يتحوّل نساء الحفل و رجاله إلى مجموعة من البلهى يغنّون بقيادة شيخنا العدل بلفظ سخيف : « أنّا ﭫطّا أنّا ﭬـو سرف ﭬطا سرف ﭬـو » على وزن هلهبا هلهبّا سُبّحت صاهبا

أمّا الإشهار الثالث فلا يقلّ تعاسة عن الإشهاريْن السّابقين و هو قائم على أغنية خاوية المعنى تحمل عنوان « ملاّ لعب » في تهريج إيقاعيّ راقص يطلب الإثارة و لا شيء سواها. و اعطفْ على الإشهار المتهوّر السخيف « اضرب البقلاوة » الخ

لا يعدو هذا الضرب من الإشهار أن يكون دعوة إلى شهوات البطن و العبث و أن يعتبرنا كلابا لـ « بافلوف »  يسيل لعابنا بمجرّد وخْزِنا بكلام فارغ و موسيقى صاخبة تريد أن تثير رغبتنا، مثل الثيران، فنتهافت على بضائعها في احتقار مقرف لذواتنا و أذواقنا

و هذا لا ينفي أن تكون في هذه السلسلة من الرداءة أشهارات أنيقة قليلة نعود إليها لاحقا

الدكتور الهادي جطلاوي