Tunisie

هل مات المعلّم الذي كاد أن يكون رسولا؟

لقد تغير اليوم دور المعلم والأستاذ وتأثيرهما في التربية والتعليم. فمن شروط كفاءة المعلم أن يكون قادرًا على استخدام التكنولوجيا بشكل متقن ومبتكر وأن يشجع المتعلمين على استخدام التكنولوجيا لتعزيز تعلمهم وتطوير مهاراتهم فيالتفكير النقدي والابتكار والتعاون والاتصال. يجب على المعلم أيضًا أن يكون على دراية بأحدث التقنيات والتطبيقات التعليمية، وأن يستخدمها بشكل ملائم وفعال لتحسين تجربة التعلم لدى تلاميذه. وأن يكون قادرًا على تصميم وتنفيذ دروس ونشاطات تعليمية مبتكرة ومشجعة باستخدام التكنولوجيا، وأن يقدم دعمًا للمساعدة في تحقيق أهدافهم التعليمية. يمكن للمعلم استخدام التكنولوجيا لتوفير تقييمات أكثر دقة وعدلا ولتحليل بيانات المتعلمين وتوفير الوقت. وإلى جانب ذلك يحافظ المعلم والأستاذ على مكانته الرمزية رغم منافسة التقنيات الحديثة له، فهو يضطلع بموقع السلطة ولذلك له قيمة رمزية في نشأة عقل الطفل ووجدانه ومهاراته الاجتماعية

وتلك السلطة الرمزية لا تبيح للمعلم ممارسة العنف المادي ولا النفسي على المتعلم بحرمانه او تهديده او احتقاره أو تجاهله أو ضربه أو الصراخ عليه أو شتمه حتى لو كان ذلك من قبيل الدعابة أو تحت مسمى « الأبوة » ولا « النبوة ». لقد ولى زمن العنف والاحتقار والعلوية وأتى زمن العلاقات المحكومة بالمساواة والكرامة والإنسانية. والتدريس بالضرب أو التهديد أو الإيذاء ليس بأي حال من الأحوال طريقة فعالة بل تنتج توترا داخل القسم وشعورا بالغبن واذى يصعب علاجه. كما ان العنف يفقد الطفل والمراهق ثقته بنفسه والآخرين

إن توفير بيئة تعليمية مشجعة وداعمة تساعد على التركيز والتعلم واستخدام أساليب مثل الحوار والتعاون والاكتشاف لتعزيزالثقة وتقديم المعلومة حسب قدرة التلميذ وحاجته ومستواه التعليمي هو الضامن الوحيد لحفاظ المدرسة اليوم على قيمتها الاعتبارية والمدرس على علوية رمزيته في سلم القيم الاجتماعية، وإنّ تخلي المعلم عن دوره التربوي وجعل المهنة سبيلا للرزق دون الاضطلاع بواجب المعلم الأخلاقي تجاه المجتمع والمتعلمين أي بواجب حماية العقول والوجدان من الانتهاك ومن السلعنة يهدد ذلك المعلم والمتعلم والمدرسة والمجتمع بأسره، لأنه رغم تطور التقنيات التي تساعد على التعلم الذاتي إلا أن المرء طفلا كان أو كهلا لا يزال بحاجة إلى مرافق بشري يعلمه آداب التواصل والتفكير ومهارات التطور والتجريب والنقد والابتكار. وإن حصر مشاكل التعليم في الحقوق النقابية قد يؤدي إلى تبسيط المشكلة وتسطيحها فمشكلة التعليم في تونس أخلاقية في جوهرها تتعلق بقيم الإنسان أولا وبما نريد عليه شكل المجتمع ومواطنيه: إن كنا نريده حرا عاقلا فبالتعليم النقدي والكريم وبواسطة الطرق الحوارية نبني مواطنا حرا عزيزا وإن كنا نريد شعبا من العبيد والعقول الجوفاء كمكينات الحساب بلا قلب ولا قيم ولا مشاعر فبالسلعنة والبيع والشراء وإعادة انتاج بنى الهيمنة نفسها كغني وفقير وابن فلان وبنت علان وجميل وقبيح وطويل وقصير ومريض وسليم الخ… والنتيجة تكون حوت ياكل حوت وقليل الجهد يموت .. إن أزمة التعليم في بلادنا هي قلب أزمة القيم المجتمعية ولا يمكن أن نحل مشكلة واحدة من مشاكلنا بلا قيم إنسانية جديدة

زينب التوجاني