Tunisie

التطرف: الوقاية خير من العلاج

انعقد المؤتمر العلمي الدولي العاشر لمخبر النخب والمعارف والمؤسسات الثقافية بالمتوسط بكليّة الآداب بمنوبة أيام 28 و29 و30 أفريل بالحمامات تحت عنوان التطرف فكرا وممارسة عبر العصور من مفارقات المفاهيم إلى تنوع السياقات والتجارب. أشرف عليه مدير المخبر الأستاذ عبد اللطيف الحناشي، وضمّ نخبة من الباحثين التونسيين والدوليين بمشاركة المجتمع المدني وبتشريك للباحثين الشبان من طلبة المخبر ومن طلبة الدكتورا في الجامعة التونسية وطرح المحاضرون بمختلف أجيالهم وحساسياتهم ودولهم طيلة أيام المؤتمر سؤال التطرف عبر العصور وعبر الجغرافيا

وبمحاضرة افتتاحية للدكتور عبد العزيز لبيب حول الفرق بين الراديكالية والتطرف انطلقت الجلسة الأولى، وتتالت أسئلة الباحثين حول الدولة بين إنتاج التطرف ومقاومته، وخلفياته الدينية وتمثّلاته ودوافعه الاجتماعية والدينية وخطاباته وممارساته وانتهى المؤتمرون إلى طرح قضايا تتعلق بوسائل واستراتيجيات التصدي له

وبعد مطارحات مفاهيمية ومقاربات مختلفة انتهى الأمر إلى تعريف التطرف بكونه موقفا سياسيا وظاهرة مرضية على المستوى العقلي والوجداني والسلوكي ويصل بالمرء إلى العنف والإرهاب، يتميز بالموقف الثابت من المجتمع ومن النفس ومعاداة الآخر والذات، فالمتطرف يتم فصله حتى عن نفسه، لذلك اقترح العميد مختار بن نصر مسارا للتحرر من التطرف تقوم على استراتيجية رباعية الفهم والوقاية والحماية والتتتبع ويكمن التحرر في مسار معقد ومتشابك يحتاج إلى منع الأسس التي يقوم عليها بناء الفكر المتطرف

لقد شرح بعض الباحثين مظاهر عديدة للتطرف فخاض محمد السويلمي في التباس المفاهيم وشرحت ابتسام الزواتي أثره بين العرب والبربر في المغرب الوسيط، وتحدث محمد سعيد عن العنف المقدس بافريقية وعبد الباسط العميدي عن شهداء الصليب بقرطبة ونجاة الجويني عن محكام التفتيش في الغرب المسيحي وصالح العبيدي عن السلطة الفاطمية بافريقية وعاد منذر الصقلي إلى قضايا الشرعية وبنائها التاريخي منذ الإسلام الأول في حين حلل محمد ذويب ملحمة بن قردان وما حف بها من أسرار وعرضت ورقات بحثية عديدة قضايا متنوعة. وانتهى الأمر إلى التأكيد على أنّ الخطابات الشائعة في دوائر السياسة لم تنفك تقيم خلطا بين مفاهيم ملتبسة. وأنّ دور الجامعة يتمثل في تقديم إطار فكري وعلمي لتوضيح هذه الالتباسات

وإذا كان التطرف ظاهرة كونية، وهو لم يكن ليختصّ به دين أو ثقافة بعينها، فانّه كان دائما تعبيرا عن تجليات ثقافية مختلفة ومتنوعة. وأنّ الخصائص المشتركة لتجليات التطرف في محليته هي ذاتها بلا شك، خصائص كونيته، وهي أيضا شروط إمكان تحوّله إلى الإرهاب، يتعلق الأمر بالعمل على تفكيك ما يهيئ لبيئة ملائمة ينقدح فيها التحوّل من الانغلاق الفكري إلى الإرهاب، والبحث عن وسائل وأدوات لرأب التصدعات التي تتداعى داخل أي مجتمع، قبل أن تتحوّل فعلا إلى الظاهرة

إنّ الدولة مسؤولة عبر مؤسساتها للتصدي لمظاهر العنف وخلق استراتيجيات لمكافحة الأسباب الدافعة للتطرف كالهشاشة والفقر والتهميش الذي يصنع الهويات المحبطة والمتشنجة ويؤدي إلى تأبيد تلك الهشاشة، وقد استعرضت عدة ورقات خلال الجلسات العلمية المنعقدة في هذا المؤتمر، مختلف الالتباسات التي رافقت نشأة مفاهيم الوصم والعنف، الرديكالية والغلوّ والتطرّف وتكفير، وهرطقة، وإرهاب، سيف الخ في حقلها الدلالي، وفي علاقاتها بالمرجعيات المقدّسة، والأصول المؤسسة لما يَصنع شرعيّة العنف وأنماطه القصوى، نصوصا ومنظومات، واتجاهات ثقافية، وضمن سياقات تاريخية متنوعة من القديم إلى الوسيط إلى المعاصر إلى الراهن. وبحسب الأمم والشعوب، من الاوروبي إلى العربي إلى الأعجمي إلى البريري، ثم تجليات العنف بالنظر إلى ما يمكن أن ينشأ عن حركة التحرر الوطني من خطاب عنيف، في مواجهة الخطاب الاستعماري المتطرف أو عنف السلطة تجاه الأهالي في دولة البايات، إلى الراهن مع الأحداث الإرهابية ببن قردان

لقد قدم بعض ضيوف المؤتمر محاضرة حول التجربة الإيطالية في مكافحة التطرف فشرح خالد غزالي ومنية علالي كيف تعاطت المؤسسات الإيطالية مع مخاطر التطرف في الوسط المدرسي والرهانات القائمة. مؤكدين دور المدرسة وسياسات الإدماج والاعتراف وأدوار الفاعلين الذين يمكنهم معا صدّ نسبة هائلة من العنف والكراهية. ونبه آخرون إلى مخاطر الأسلمة على بناء خلفية ثقافية هشة تمكن للسلفيات العنيفة

وخلاصة القول أن على كل أفراد المجتمع مسؤولية لحماية مجتمعاتهم من التفكك والعنف والجريمة عبر تفعيل دور الأسرة والمؤسسات التربوية وقيام الدولة بنشر الأمل بين الشباب وكف السياسيين عن التلاعب بالخطابات لأجل السلطة والقيام بأدوارهم التاريخية في تشكيل الرأي العام والتعبير عن الأفكار المتباينة وتأطير الشباب والقيام بحراك تنويري حقيقي يحمي العقول والنفوس من الانغلاق والآفات. لقد أكد المؤتمر أن الإرهاب لم ينته بعد والتطرف يقود إليه والمخاطر عديدة ومن واجب كل مواطن الاضطلاع بدوره لحماية بلاده من آفات التكفير والتفجير والعنف والفوضى فلا ينخدعنّ الناس بهدوء الخطاب الجهادي في العلن فتحت الرماد اللهيب، وذلك اللهيب لا يحمينا من شره وناره سوى المعرفة والاعتراف وسياسات العدالة والأنسنة والاحتواء فالوقاية خير من العلاج

زينب التوجاني