Tunisie

كم يبدع سامي بن عامر في الإستثمار في الموتى !؟

مقال في الشروق، مقال نعي، هو بمثابة قتل ثان، قتل رمزيّ لذاكرة فنان عصيّ عن التعريف، غنيّ عن الاعتراف، يأبى فنّه المجاملة أو أن يُحشر به في إحدى خانات الفن وتاريخه المنتهية صلوحيّته

يُبدع سامي بن عامر في فنّ التّسطيح، عمدا أو عن بلاهة قصوى

يقول أن الفقيد كان رمزا من رموز السّاحة الثقافية، كما لو لم تُعان عبقريّته البتّة من التّهميش والإقصاء و قلّة المعروف و ضيق المساندة

ثم يتقمّص دور المؤرّخ ليستخرج سيرة ذاتية للفقيد من نفس قالب الفشل الذي اعتاد الموهمون بنجاحهم استخراج سِيَرهم منه، فيصف الكثرة كقيمة دون سواها

ويكون ذلك كافيا ليبدأ الاستثمار في الموت و بكل وقاحة، تحت أعين الموت نفسها… فيعطف تأسيس جماعة الستّة و تسميتها بكلّ بساطة على تأسيس الاتحاد الوطني للفنون التشكيلية، في طمس جليّ للخصوصيات المتباينة للمشروعين، ثمّ، و في غفلة من الجاهلين بالتاريخ، يُماهي بين الاتحاد الوطني للفنون التشكيلية و ما يُعرف اليوم باتحاد الفنانين التشكيليين، و هنا الاستثمار الوقح، إذ يُقدَّم الفقيد لمن لا يعرفه كمؤسس لاتحاد الفنانين التشكيليين ليكون سامي كمشرف سابق على الاتحاد و المشرفون الموالون و الحاليون عليه و هم من عائلته الجهوية المعروفة كورثة شرعيين لكل قيمة قد يُعترف بها للفقيد، والحال أن مشروع الفقيد و شخصيّته في تناقض تـــــامّ مع العقليّة السائدة في الاتّحاد المذكور من تكالب على المال العام وتعويل تامّ على دعم الدولة

وليؤكّد سامي جشع نعيه، يختار من كل أعمال الفقيد، لوصفها، لوحة يذكر بكل دقة أنه « شارك بها » في معرض الاتحاد بالسنة والمكان، كما لو كان ينعى أيّ منخرط في الاتحاد ممّن يتوقف نشاطهم الفني على تظاهراته، ثم يبدع في تسطيح العمل إلى آخر المقال مكرّرا نفس الفكرة الساذجة عن مغامرات المفردة التشكيلية التي ما فتئ طلبة الفنون « يكـ(ع)ررونها » (كما كان ليصفها الفقيد) والتي لا علاقة لها بعمق العمل… بل ويتم حشر الفقيد بها ضمن آخرين من المشتغلين عليها فتُسلب فرادته و يُطمس إبداعه

يختم سامي مقاله بمعلومة عن آخر فترة من حياة الفقيد و عن دار المسنّين، يسوقها متأسّفا، لكنه يسوقها مع ذلك، رغم أنها مُذلة في المطلق و لا مكان لها في مقال نعي فنان في مثل نزاهة الفقيد واعتزازه بكرامته. حتما لا يعي سامي ما يفعل، لأني أستحي من أن أتهم أيا كان بأن يقوم بذلك عمدا، وهو يفعل ذلك دائما، كما فعل عند نعيه لعلي عيسى و ذلك يذكرني أيضا بما فعلت صديقة بالصغير أولاد أحمد… فاحترام الكرامة في بلد ثورة الحرية والكرامة ليس في متناول الجميع على ما يبدو

لكن ألا يستحي من وضع صورته ومبتسما و على خلفية لوحة من أعماله مع صورة للفقيد دون أعمال في مقاله في الشروق ؟

ألا يستطيع الكف عن الإشهار لنفسه حتّى في مقال نعي ؟

لا يعرف أحد كم شيخا و كم عجوزا استمتع برفقة الفقيد بدار المسنين، ولا يعرف أحد كم من الممكن الاستمتاع بنصّ له حتّى يقرأه ويُعيد، فالفن باق، والفكر باق، والذكرى، وما ينفع الناس

أما جميل الصبر والسلوان فليرزقنا إياه ربّنا ما دمنا ابتُلينا بنصوص سامي

أسامة الطرودي

L’article كم يبدع سامي بن عامر في الإستثمار في الموتى !؟ est apparu en premier sur Actualités Tunisie Focus.