Tunisie

قناة الحوار التونسي نموذج حيّ للرأسمالية المتوحشة

الضجة التي رافقت الحلقة الأولى من مسلسل (فلوجة) هي جزء من الخطة التسويقية التي أعدت لإطلاقه:
تستغل هذه الخطة ضعف الذاكرة عند التونسيين، فبقليل من التذكر سنلاحظ أننا مع بداية كل رمضان نعيش الوقائع نفسها تقريبا، ونستمع إلى صيحات الفزع ذاتها. مرة مع (أولاد مفيدة) ومرة مع (فوندو) ومرة مع (براءة) وهذه المرة مع (فلوجة). تتغير المسميات دائما والقضية واحدة: الحوار التونسي تهدّد أخلاق المجتمع

كما تستغل هذه الخطة طريقة الجمهور السطحية في التعامل مع الأحداث، فهي تنطلق عادة من بعض التدوينات التي تعبر عن الاستياء، يتم تناقلها بشكل عنكبوتي سريع، ثم تنتهي مثل كرة الثلج وبشكل مريب إلى قضية استعجالية لدى المحاكم. وفي الأثناء يتضاعف عدد المشاهدين، ويصبح هذا المسلسل الجهة الأكثر استقطابا للإعلانات. وتشفط قناة (الحوار التونسي) النصيب الأوفر من مخصصات الدعاية الموسمية للمؤسسات الصناعية

بهذا الأسلوب الفضائحي تتم التغطية على بقية الإنتاجات الرمضانية في مختلف القنوات لتصبح كأنها غير موجودة البتة، ولا أحد يتحدث عنها أو يهتم بها أو يناقشها، وحتى إن حدث ذلك فبشكل سريع مقتضب، ومن حسن حظ أسرة القناة هذا العام أن وجدت حكومة (فاضية شغل) وقعت بسهولة في المصيدة التي نصبت لها بإتقان

ويمكن لكل ذي عقل حصيف أن يتبين بسهولة ما يتصف به النقاش الموسمي المصاحب لهذه الخطة في الفايسبوك من عقم وسذاجة. إذ يقوم على الخلط الفظيع بين الدراما والأعمال التسجيلية الوثائقية، فالجدل ينحصر دائما بين من يرى أن المسلسل يعكس الواقع ومن يرى أنه يتجنى عليه، وهو انعكاس للانقسام بين من يرى سامي الفهري لصّا خطيرا ومن يراه مصلحا اجتماعيا

قناة الحوار التونسي تعتبر نموذجا حيا للرأسمالية المتوحشة حيث لا يمكن الحديث عن مسؤولية مجتمعية أمام الربح المادي، ونجاح مسلسلاتها في الاستحواذ على أوفر نصيب من كعكة الإشهار نموذج بارز للتنافس غير المتكافئ، أما براعتها الحقيقية فلا تكمن في إنتاج الأعمال الدرامية، بل في استغلال شبكات التواصل الاجتماعي لترويج هذه الأعمال لتكون الأهم والأوسع انتشارا والأكثر إثارة للجدل رغم أنها ليست بالضرورة الأجود! وهكذا بقليل من الاجتهاد في فهم نقاط ضعف المتفرج التونسي يمكن التحكم فيه بسهولة تامة. هذا ما حدث وما يحدث باستمرا

عامر بوعزة