Tunisie

علوش العيد بين الحضارات – Actualités Tunisie Focus

لا تخلو حضارة من الحضارات ولا دين من الأديان الوثنية أو التوحيدية من تقديم القرابين للآلهة، فقد كانت التضحية بالحيوانات جزءًا من الممارسات الدينية والثقافية منذ فجر التاريخ. تقدم للآلهة أو الأرواح الروحانية تعبيرا عن الولاء والتقدير وطلب للنعم والرحمة. في الحضارة المصريّة القديمة كانت جزءًا أساسيًا من العبادة فقد كان الفراعنة والمصريون القدماء يضحون بالأبقار والعجول والماعز والأغنام لآلهة مثل رع وحتحور وعبيس. وتم تقديم الحيوانات تمائم ترمز إلى الشكر والتبجيل للآلهة أما في اليونان القديمة، فتبقر الأبقار وتذبح الخراف والخنازير والأغنام جزءًا من الطقوس الدينية في الأضحية. وتجرى في المعابد أو في المناطق المخصصة للعبادة. وكانت التضحيات تقدم للآلهة في الجاهلية أمام الكعبة كجزء من الأعياد والاحتفالات الدينية وطقس الحجّ في الوثنية وتعتبر شكلًا من أشكال العبادة والتواصل مع الآلهة لتفادي غضبها وسخطها وكسب ودها والفوز في الحروب

تهدف التضحيات في هذه الحضارات القديمة إلى إظهار التفاني والانتماء للإله والتأكيد على الروابط الروحية بينه والبشر. ولكل هذه الطقوس مراسم في كل ثقافة وفي كل دين، تبدأ بالتحضير والتنظيف: كأن يتم اختيار الحيوان الأضحية بعناية وتحضيره للتضحية. فيتم تنظيف الحيوان وإزالة العيوب أو العلل المرئية. ثم توجيه الصلوات والأدعية للآلهة التي ستتم تقديم القرابين لها. وقد يتم إشعال البخور والعبور بالمباركات على الحيوان المضحي ومكان التضحية ثم بعد المقدمات والتطهير يتم ذبح الحيوان ويتم ذلك على يد الكاهن أو الشخص المختص لذبح الحيوان المختار. ثم يتم قطع الحيوان بواسطة أداة حادة وبطريقة محددة وفقًا للتقاليد والشعائر الدينية. ثم يتم تقسيم اللحم وتوزيعه. وكانت هناك أجزاء محددة من الأضحية تذهب للآلهة والكهنة والمشاركين في الطقوس، بينما يحتفظ الآخرون بنصيب من اللحم للاستهلاك الشخصي. وتحتفل الشعوب القديمة بالتضحية ويشاركون في الطقوس الدينية والاحتفالات المصاحبة. وتشمل هذه الاحتفالات الصلوات والأغاني والرقصات والألعاب. وقد تختلف بعض التفاصيل والإجراءات بين المعابد والمناطق المختلفة في مصر القديمة أو عند الرومان حسب الآلهة المعبودة والمعتقدات المحلية لكن جوهرها واحد هو البهجة والفرح والتقديس والاتصال بالسماء والقوى الغيبية

أما الديانات الكتابية فقد كانت للتضحيات فيها دور هام ومحدد في العبادة والتعبير عن الانتماء الديني لذلك تتنوع التقاليد وتتكرر منذ عشرات السنين ففي اليهودية ترتبط بتعاليم التوراة. يعتقد اليهود أن تقديم القرابين كان في الماضي يتم في الهيكل المقدس، والقربان المشهور في التقاليد اليهودية هو قربان الحيوانات، مثل الخراف والأبقار، ويتم ذبحها وتقديمها تعبيرا عن التوبة والتكفير عن الخطايا. أما اليوم، فقد غاب هذا التقليد الاعتقادي القديم فلا يمكن تقديم القرابين في هذا الشكل في اليهودية الحديثة لغياب الهيكل حسب اعتقادهم، وصار الطقس مرتكزا على العبادة وعلى الصلوات والتقارب الروحي مع يهوه. أما في المسيحية فيعتبر القربان المقدس (المعروف أيضًا بالقربان الأقدس أو القربان الإلهي) جزءًا مهمًا من العبادة، يتم الاحتفال به في القداس الإلهي، وهو طقس يتم فيه تذكير وتجسيد وجبة العشاء الأخير للسيد المسيح مع تلاميذه قبل صلبه وقيامته .فالقربان أو الخبز المقدس، لم يكن بالتقليد الحديث، ووفقًا للطائفة القبطية الأرثوذكسية يُعتقد أن هذه الطقوس تعود إلي القرن الحادي والعشرون قبل الميلاد، ويعتمدون في ذلك على إشارة جاءت في كتاب الإنجيل. لقد كان عموما بمثابة تقدمه يقدمها اليهودي من ضمن التقديمات التي حثت عليها شريعة النبي موسى. ويقوم الكاهن في القداس بتحول خبز الخمير إلى جسد المسيح والخمر إلى دمه، ويتناول المؤمنون القربان المقدس كطقس رمزي للتواصل مع المسيح والمشاركة في فداءه. وتختلف الممارسات والتقاليد بين الطوائف المسيحية المختلفة. هذا الخبز المقدس عرفه المصريون القدامى كذلك والخبز مقدس في كل الثقافات والديانات. أما في الإسلام فيسمى الأضحية ويروى أنه فداء النبي إسماعيل ويقدمه الناس لله صدقة وبركة وعادة وتقليدا راسخا، ويهدى من الأضحية للفقير وللأهل وللجائعين، ويعطى لوجه الله، وله طقوس التحضير والتطهير والذبح والتقسيم ولكن التونسيين ككل الشعوب المعاصرة تصرفوا في هذه الطقوس الموروثة من آلاف السنين، فصاروا يحتالون على صعوبة الإتيان بكبش بشراء اللحم من عند الجزار، أو من الفضاءات العامة وصاروا يستعيضون عن طقوس الذبح والتطهير بطقوس الشواء ولكن جوهر الشعب التونسي لم يتبدل، في الصباح الباكر يصلي الناس صلاة العيد وتنتشر التهاليل وبعد سويعات يجتمعون على رائحة اللحم والشواء ويتهادون التباريك والتحايا حتى وإن صارت اليوم عبر العالم الرقمي، ولكنها حقيقية ليست افتراضية ذلك أن التهادي والتحية والتسليم والتعييد وأمنيات البركة جزء لا يتجزأ من لاوعي الشعب لا يستقيم دونه العيش الجماعي، يخفف العيد في الأصل عن الناس العنف والكراهية والرغبة في الانتقام فيضعون جام سخطهم على قربان حيواني ولكنهم اليوم إذا اضطروا إلى التداين والتحارب لأجل علوش العيد فإن غرض التضحية الأول من تخفيف العنف لا يتحقق. ويزداد التوتر والخصام والعنف والمشاعر السلبية. لقد جعلت المجتمعات القديمة هذه الطقوس ليعيش أفرادها معا بسلام ولشكر الله بكل اللغات والثقافات أي لشكر سر الحياة. فهل تتمكن المجتمعات الحديثة أن تحافظ على سلامها وتوازنها في جحيم الأزمة الاقتصادية والحيوانية؟ هل يمكن للتونسيين أن يحتفظوا من العيد بقيمه العظيمة قبل اللحم ورائحة الشواء؟

زينب التوجاني