Tunisie

منذز الزنايدي يقول : ما يحدث اليوم في حق التونسيين جريمة، والصمت على ذلك جريمة أخرى

مجتمع الواجب : أملنا في التغيير

أكثر من مائة يوم مرت على مسرحية الانتخابات، خَيَّرْت خلالها عدم التشويش على خديعة « البناء والتشييد » ولكن رغم مخاوفي التي عبرت عنها مباشرة إثر الإعلان عن « النتائج الرسمية »، فإن الحصيلة الكارثية للأشهر الثلاثة الأولى فاقت كل التوقعات… اليوم الوضع أصبح ينذر بخطر كبير على حاضر البلاد ومستقبلها: تفشي ظاهرة الإنتحار لدى التونسيين نتيجة الشعور باليأس وانسداد الأفق، أزمات التموين وفقدان المواد الأساسية: زيت الزيتون، البطاطا، قوارير الغاز المنزلي… استمرار الإيقافات التعسفية والمحاكمات والأحكام الجائرة والاتهامات بالعمالة والخيانة والتآمر في وقت دعت فيه بعض الأصوات لوحدة وطنية في مجابهة تحديات الداخل والخارج، الحلول الخاطئة لأزمة هجرة الكفاءات الوطنية لا سيما الأطباء والمهندسين منهم، مشروع قانون المالية لسنة 2025 وسياسة الضغط الضريبي وتأثير ذلك على جيب المواطن، استفحال أزمة القطاع التربوي وتدهور ظروف عمل المدرسين، ضرب منظومات الإنتاج والتوزيع، الفضائح المتكررة للمصادقة على القروض بنسق متسارع في ظل سردية التعويل على الذات حتى أنه لا يمر اسبوع دون أن نسمع بمصادقة البرلمان على قرض جديد، تراجع صورة البلاد ومكانتها في الخارج بشكل غير مسبوق حتى أصبحت بلادنا تعيش في شبه عزلة دبلوماسية 

ماذا يمكن أن ننتظر من منظومة فاقدة للمصداقية وفاقدة للحلول: غير أن نتحول في ظل حكمها إلى « مجتمع طوابير » كما يحلو للبعض تسميته، وأن تتنامى ظواهر العنف والجريمة والانتحار، وأن تحل الخرافات والأوهام محل الفعل والإنجاز وليست فضائح الشركات الأهلية ولجنة الصلح الجزائي واسترجاع الأموال المنهوبة، ولجنة التدقيق في القروض ولجنة التثبت في الشهائد العلمية إلا أمثلة على هذه الخدع التي بدأت تنكشف للتونسيين

اليوم من واجب كل تونسي ومن واجبنا جميعا أننا نسأل أنفسنا: هل هذا هو المشروع الذي سنقبل به لتونس؟ هل هذا كل ما يمكن تقديمه لبلاد يُخيّم عليها الإحباط وتنخرها الأزمات وتتهدّدها مخاطر الفقر والإفلاس؟

ما يحدث اليوم في حق التونسيين جريمة، والصمت على ذلك جريمة أخرى

لهذا وبعد بعد فترة من الملاحظة والتفكير في أفضل الاستراتيجيات الممكنة لإدارة مرحلة جديدة تختلف عن سابقاتها، وبعد التأكد بما لا يدعو أي مجال للشك من تواصل تراجع البلاد على كل المستويات وسيرها نحو الانهيار الشامل في ظل حكم الشعبوية، قررت مع العديد من التونسيين الذين يرفضون الانهزامية والتسليم بحتمية الرداءة والعجز والفشل الإعلان عن الانطلاق الفعلي والعملي لمشروع « مجتمع الواجب »• تحت شعار « واجبنا » الذي سبق وأن نشرنا بعض خطوطه العريضة ونحن بصدد تركيز أسسه ودعائمه حتى يكون مشروعا وطنيا جامعا يطرح حلولا وبدائل للأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السائدة ويبعث الأمل في مستقبل أفضل لأبنائنا وبناتنا

العالم يشهد اليوم تطورات متسارعة، أنظمة سقطت وتحالفات انهارت وحدود تغيرت في ساعات قليلة… والواجب يقتضي منا جميعا أن نرسم معالم المستقبل الذي نريده لبلادنا التي تعيش اليوم أحلك فتراتها منذ الاستقلال

لن نفقد الأمل في بلادنا ففيها من الكفاءات والوطنيين الصادقين ما يسمح لها بأن تختصر الزمن وتتحول في وقت قياسي من العدم إلى الزخم، من الإحباط إلى الأمل، من العجز والفشل إلى الإنجاز والعمل، من الهدم إلى البناء، من الركود إلى الانتعاش الاقتصادي، من الانقسامات والأحقاد والتجاذبات إلى التضامن والرحمة والإيمان بوحدة المصير

وفي هذا الصدد، يهمني أن أتوجه برسالة طمأنة لأبناء شعبنا الحبيب بأنه ونحن نقاوم الرداءة والعجز والفشل، ونحن نسعى إلى تكريس حق التونسيين في حياة أفضل، فإننا وعلى عكس منظومة الشعبوية، لن نحرض تونسيين على تونسيين، لن نُقسِّم، ولن نُفرِّق، ولن نُميِّز ين أفراد الشعب الواحد…لن نحقد ولن ننتقم ولن نشمت…ولن نساهم في مزيد إضعاف الوطن وترذيله والمس من هيبته ومقدراته، مهما اشتد الظلم والاستبداد، فالوطن واحد لا يتجزأ، بنته أجيال كي يستمر ويتواصل، ويبقى النضال من أجل إصلاحه والنهوض به شان تونسي تونسي داخلي لا يمس من ثوابته وسيادته ووحدته وكرامته ومصالحه وصورته ومستقبله…فنحن بالضبط، وانطلاقا من هذه المبادئ، ضد منظومة الشعبوية المتهاوية وعكسها ونقيضها

صحيح أننا لا نمتلك أدوات الدولة التي استأثر بها هؤلاء الذين حولوا « إرادة الشعب » إلى « حكم الشعبوية »، ولا نمتلك أيضا جحافل المتزلفين والطامعين والأبواق الناعقة والآكلين على كل الموائد، ولكننا نمتلك الثقة في نصر الله والثقة في رغبة شعبنا في مستقبل أفضل تعود فيه الإرادة والثقة والاطمئنان والابتسامة للتونسيين

« حتى تعود تونس إلى التونسيين »

ربي يحفظ بلادنا

( * سأتحدث في فيديو قريب عن العديد من المبادرات المواطنية التي انطلق بها مشروع « مجتمع الواجب »، مبادرات تدعو إلى الأمل ومقاومة اليأس والإحباط)

منذز الزنايدي