Tunisie

مغلق للصيانة

إذا لم نعلن الآن أن هذا المجتمع الذي يأوينا (مغلق للصيانة) إلى حين، فإننا ذاهبون إلى خراب عميم، نعلن ذلك لأن المجال قد يكون ما يزال مناسبا للإصلاح والترميم قبل أن ينهار السقف على رؤوسنا جميعا ونجد أنفسنا بلا مأوى، وقضية مبيت القيروان هي التي ينبغي أن تدفعنا دفعا لاتخاذ هذا القرار

هذه القضية نموذجية نعاين فيها أمراض السلطة وشعبها في آن معا، فتوفير الإحاطة الطبية للطلاب هي من أوكد مهام الإدارة في الحي الجامعي لكنها عجزت عن ذلك، وقبل هذه الحادثة توفيت طالبة في قصر هلال دون أن تتمكن الحماية المدنية من الوصول إليها لأن الحارس غادر المبيت ومعه المفاتيح! لكن بدل أن تدفع تلك الحادثة سلطة الإشراف إلى مواجهة النقائص بحلول عملية انتهت القضية بحبس ثلاثة أشخاص بتهمة القتل على وجه الخطأ، وستنتهي مثلها بلا شك قضية الحال في أروقة بعض المحاكم

لقد قررت سلطة الإشراف أن يقتصر دورها على تسليط العقوبات وإصدار الأحكام السالبة للحرية دون أن تكلف نفسها عناء وضع الخطط الاستراتيجية الشاملة. وقد كان حريا بها مع تكرار هذه الحالات المؤسفة أن تفتح الملف وتطرح الأسئلة وتضع الحلول العملية لكل المبيتات الجامعية وتفرض على إداراتها وضع خطط تدخل استباقية وسيناريوهات لمواجهة مختلف أنواع الكوارث المحتملة. لن يحدث ذلك والخطاب الرئاسي الذي يتكرر يوميا يدل على أن السلطة هي التي تتطلع إلى أن يقدم لها الإداريون (حلولا مبتكرة) و(مقاربات جديدة) فيما هم يتخبطون في أبسط مشكلات التسيير اليومي، وعاجزون حتى عن استقدام سيارة إسعاف

لا تظهر مسؤولية السلطة في هذا الجزء من القضية فحسب، بل تتجلى بوضوح في ردة فعل الطلاب ساعة وصول فرق من الإدارة الصحية الجهوية لتسليمهم المضادات الحيوية خشية انتشار البكتيريا التي أصابت الطالب المتوفى بالتهاب السحايا، فهناك تقع الطامة العظمى، يكفي أن تشاهد المدير الجهوي وهو يشرح لهم الموضوع وتسمع ردود أفعالهم وأسئلتهم والشعارات التي يرفعونها والتي لا تخرج كلها عن مجال (نظرية المؤامرة) وفكرة (يريدون التخلص منا) حتى يصيبك الغثيان وتدرك عمق الحضيض الذي انتهينا إليه

إنه لمن السهل مواجهة النقائص لتوفير الإحاطة الطبية العاجلة في الأحياء الجامعية والتدرب في عمليات بيضاء على مواجهة أي طارئ، لكن من الصعب جدا مواجهة الفكر العدمي والشك وفقدان الثقة في كل شيء، فهذه البارانويا الجماعية التي يكشفها موقف الطلبة هي المسمار الأخير في نعش هذا الوطن، ومن الواضح جدا أن (نظرية المؤامرة) التي تعتبر أداة أساسية من أدوات الحكم في هذه المرحلة القلقة من تاريخ الدولة التونسية تجاوزت حدود العرش لتصل مثل السم الزعاف إلى مختلف شرايين الجسد العليل، ولذا يتحتم علينا الآن وبسرعة أن نعلن أن هذا البيت (مغلق للصيانة) ونحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه

بقلم عامر بوعزة