سوار البرقاوي: من النشاط السياسي إلى زنزانة السجن
أصدرت اليوم جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات ورقة بعنوان « سوار البرقاوي: من النشاط السياسي إلى زنزانة السجن »، تسلّط الضوء على الانتهاكات الجسيمة التي تعرّضت لها الناشطة السياسية سوار البرقاوي منذ إيقافها في أوت 2024. وتوثّق الورقة، بالاستناد إلى معطيات دقيقة، مختلف الخروقات التي طالت حقوقها الأساسية، بدءًا من الاعتقال التعسفي على خلفية نشاطها السياسي، مرورًا بحرمانها من ضمانات المحاكمة العادلة والأحكام السجنية الجائرة الصادرة بحقها، وصولًا إلى ما تعرّضت له من معاملة قاسية وغير إنسانية، خاصة خلال الفترات الأولى من احتجازها
للإطلاع على الورقة عبر هذا الرابط

ملخص
سوار البرقاوي، ناشطة سياسية شابة، تطوعت في الحملة الانتخابية للسياسي العياشي الزمال، تم اتهامها بشبهة تدليس تزكيات انتخابية الأمر الذي عرّضها لهرسلة أمنية وتتبعات قضائية في 17 قضية على معنى الفصل 199 من المجلة الجزائية والفصل 80 من القانون الأساسي المتعلق بحماية المعطيات الشخصية. تشكل الانتهاكات التي تعرضت لها سوار البرقاوي نموذجًا مقلقًا لواقع حقوق الإنسان داخل المؤسسات السجنية في تونس، وتؤكد على استمرار ممارسات الإهمال الطبي والتمييز والمعاملة القاسية.
المنهجية
قامت جمعية “تقاطع من أجل الحقوق والحريات” بإعداد هذا التوثيق بعد جمع عدة معلومات حول إجراءات التقاضي للسياسية الشابة سوار البرقاوي من مختلف المصادر ومعالجتها مع مراعاة البُعد الزمني والتسلسلي للإجراءات. كما قامت الجمعية بإجراء مقابلة مباشرة مع محامي ضحية الانتهاك، الأستاذ سامي بن غازي. وقد خضعت وقائع الإجراءات لمقارنة مع الدساتير المحلية والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها الدولة التونسية، خاصة فيما يتعلق بحرية العمل السياسي والمدني.
أحداث الانتهاك
سوار البرقاوي شابة تنشط في المجال السياسي وهي أمينة مال حركة عازمون وعضوة في الحملة الانتخابية للسياسي العياشي زمال، المرشح مقبول نهائيا في الانتخابات الرئاسية لسنة 2024، حيث تم اتهامها بشبهة تدليس تزكيات انتخابية الأمر الذي عرّضها لهرسلة أمنية وتتبعات قضائية بلغ عددها 17 قضية.
تعود أحداث هذه الواقعة الى تاريخ 16 أوات 2024 حيث تم استدعاء سوار البرقاوي للتحقيق إثر ورود شكايات من قبل ثلاثة مواطنين اتهموا فيها سوار البرقاوي بتدليس تزكيتاهم بعد مشاركتها في الحملة السياسية للمترشح النهائي في الانتخابات الرئاسية بعد قيامها بجمع مجموعة من التزكيات
بتاريخ 19 أوت أجرت السلطات المختصة اختبار فني كانت نتيجته تقضي بإمكانية حدوث شبه التدليس لكن أكدت هيئة الدفاع هن سوار البرقاوي انهم قاموا بالتشكيك في نتيجة الاختبار خاصة أنها أولا تمت بطريقة سريعة وثانيا أن هذه النوعية تتطلب خبير مختص في التثبت من الإمضاءات بطريقة دقيقة تتم بالعودة الى الإمضاءات وقارنتها بإمضاءات المواطنين الفردية والخاصة بهم. وأصدرت النيابة العمومية في نفس اليوم قرار الاحتفاظ بها لمدة 48 ساعة
إلى جانب الشكايات التي يتم التحقيق فيهم تمت إضافة 6 شكايات بنفس التهمة ليزداد عدد الشكايات حتى يصل الى 17 شكاية جميعها بنفس التهم السابقة بمعناه أن تم تقسيم القضية الى 17 وهو عدد التزكيات المجموعة رغم أنها لازالت في طور استكمال الأبحاث وإجراء الاختبارات
بتاريخ 21 أوت 2024 أحيلت سوار البرقاوي على المجلس الجناحي بالمحكمة الابتدائية بتونس 2 أين تم توجيه تهمة شبه تدليس تزكيات رئاسية على معنى الفصل 199 من المجلة الجزائية والفصل 80 من القانون الأساسي المتعلق بحماية المعطيات الشخصية. حيث أصدر المجلس بطاقة إيداع بالسجن في حق ضحية الانتهاك وإيداعها بالسجن المدني للنساء بمنوبة
وهنا يروي محامي سوار الأستاذ سامي بن غازي أنه تم تفتيشها تفتيشا دقيقا لكامل جسمها مهينا للكرامة الذات البشرية ومعاملتها بطريقة سيئة بالسجن وإيداعها بزنزانة مكتظة يتجاوز عدد السجينات داخلها طاقة استيعابها
وفي 30 أوت 2024 تم الإفراج على سوار وتأجيل النظر في قضيتها لتاريخ 19 سبتمبر 2024، إضافة إلى إعلامها بعدم إمكانيتها مغادرة الدائرة الترابية مرجع نظر المحكمة الابتدائية تونس 2، إضافة إلى المراقبة الإدارية اليومية وتم تحديد يوم 09 سبتمبر 2024 كتاريخ مثولها أمام فرقة الشرطة العدلية بسيدي حسين ومواصلة التحقيق معها
في شهادة سابقة لجمعية تقاطع، أفادت الناشطة سوار البرقاوي بأنه تم استجوابها حول ماهية نشاطها السياسي ودورها في الحملة، فضلاً عن الغاية من نشاطها ضمن هذه الحملة. وتعتبر هذه الأسئلة نوعًا من الهرسلة السياسية التي تتعارض مع حقها في حرية التنظيم والعمل السياسي. بالإضافة إلى ذلك، تم توجيه أسئلة متكررة إليها حول المحامين الذين يتواجدون معها، وطريقة تسديد أتعابهم، أو ما إذا كانوا يتواجدون بشكل تطوعي، وهو ما يشكل تهديدًا لحقها في الدفاع ويعد تدخلًا في اختيارها لتمثيلها القانوني
في 27 سبتمبر 2024 تم إيقاف سوار لحظة توجهها للإمضاء المتعلق بالمراقبة الإدارية، وبتاريخ 30 سبتمبر2024 قضت المحكمة الابتدائية بسجن سوار البرقاوي ب 12 سنة مع النفاذ العاجل بتهمة تدليس الانتخابات الرئاسية علم معنى الفصل 199 من المجلة الجزائية وعلى الفصل 80 من القانون أساسي عدد 25 لسنة 2018 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية، في 9 قضايا فقط. وتم إيداعها بالسجن المدني للنساء بمنوبة
كما أنه تم رفض مطالب الإفراج عن سوار البرقاوي، حيث صرح لسان الدفاع عنها، أنه يوم الثلاثاء 8 أكتوبر 2024، تم رفض طلب الإفراج عن ضحية الانتهاك مع الإبقاء عليها في السجن
وفي الطور الاستئنافي، أصدرت المحكمة الاستئنافية بتونس 2 بتاريخ 10 جانفي 2025 حكماً يقضي بتخفيف العقوبة المسلطة على المتهم من 12 سنة إلى 4 سنوات و7 أشهر، وذلك فيما يقارب تسع ملفات. وهذا رغم عدم تمكين الضحية من حقها في التوارد وضم القضايا
سنة 2025، وُجّهت إلى الناشطة السياسية سوار البرقاوي ثماني قضايا جديدة تتعلق بذات التهم التي سبق أن وُجهت إليها. ومن المقرر أن تنظر المحكمة الابتدائية بتونس في هذه القضايا، حيث تم تحديد جلسة بتاريخ 27 أكتوبر 2025 للنظر في ثماني قضايا أخرى لا تزال في طور التحقيق
خلال فترة احتجازها، تعرّضت الناشطة السياسية سوار البرقاوي لسلسلة من الانتهاكات الجسيمة التي ترقى إلى مستوى المعاملة القاسية والمهينة، بما يتعارض مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. فقد تم احتجازها في ظروف لا تتوفر فيها أدنى الشروط الصحية والبيئية، ما أدى إلى تدهور حالتها الجسدية والنفسية، وفقًا لما أكده محاميها
انتهاكات حقوق الإنسان
إن ما تواجهه الناشطة السياسية سوار البرقاوي من تتبعات قضائية وأحكام سجنية مجحفة، يمثل جملة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على عدة مستويات، بدءًا من حقوقها في الحرية الشخصية، وحرية التنظيم السياسي، وصولاً إلى المعاملة الإنسانية والحق في الدفاع، والحق في المحاكمة العادلة. هذه الانتهاكات تُعد خرقًا للقوانين الوطنية والدولية التي تهدف إلى حماية حقوق الأفراد في سياق المحاكمات السياسية
إذ يعد انتهاك حقها في الحرية الشخصية من خلال ما تعرضت له من احتجاز تعسفي، وهو ما يُعد انتهاكًا للمادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يضمن لكل فرد الحق في عدم التعرض للاحتجاز التعسفي أو الاعتقال دون مبرر قانوني. خاصة وأن التهم الموجهة إليها لا تقتضي سجنها وكان بالإمكان الإبقاء عليها في حالة سراح
في حين يمكن اعتبار احتجازها جزءًا من هرسلة سياسية تهدف إلى تقويض انخراطها في النشاط السياسي، ما يمثل خرقًا لحرية التعبير والحق في التنظيم. ويتمثل ذلك في وجود شبهة تدليس تزكيات، مما لا يحرم سوار من قرينة البراءة ويسلبها من حريتها، قبل صدور أي حكم يدينها
وهو ما يضمنه دستور الجمهورية التونسية في الفصل 27، الذي ينص على أن “المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة عادلة تكفل له فيها جميع ضمانات الدفاع في أطوار التتبع والمحاكمة
علاوة على ذلك، فإن ما تعرضت له سوار يمثل خرقًا للمادة الثالثة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، التي جاء فيها: “تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بكفالة تساوي الرجال والنساء في حق التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها في هذا العهد
إلى جانب أن هذا الحق محمي بموجب دستور الجمهورية التونسية لسنة 2022 في الفصل الثاني والعشرون: “تضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامة وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم
كما تمت محاكمة سوار البرقاوي في ظروف لا تتوفر فيها شروط المحاكمة العادلة. وفقًا للمادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي نصت على أنه يحق للمتهمين أن يخضعوا لمحاكمة علنية ومنصفة أمام محكمة مختصة ومستقلة. من حيث توجيه التهم، كان الاتهام يعتمد على شبهات واختبارات فنية سريعة، دون وجود دليل قاطع لدعم هذه التهم. كما أن تقسيم القضية إلى 17 قضية بسبب عدد التزكيات يُعد من الإجراءات المفرطة والتعسفية في حق ضحية الانتهاك، التي تهدف إلى الضغط على الضحية، وهو ما يتعارض مع مبدأ الشرعية والمساواة أمام القانون
إذ تجدر الإشارة إلى أنه لم يتم جمع وضم القضايا والعقوبة رغم أن القانون التونسي يسمح للقاضي بذلك في القضايا المرتبطة ببعضها والواقعة لمقصد واحد من جهة. ومن جهة أخرى، تكيف بما تراه النيابة العمومية من صلاحية ضم المحاضر والشكايات لبعضها البعض في إطار تطبيق مبدأ الملاحقة القضائية، حيث يمكنها تجميع القضايا المتشابهة أو المرتبطة ببعضها البعض في قضية واحدة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بشأنها
كما تعرضت سوار البرقاوي لانتهاك آخر يتمثل في التدخل في حقها في اختيار محاميها، حيث تم استجوابها بشكل متكرر حول كيفية دفع أتعاب المحامين أو ما إذا كانوا يعملون بشكل تطوعي. هذه الأسئلة تمثل انتهاكًا صارخًا للحق في الدفاع القانوني، المنصوص عليه في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. هذا النوع من الأسئلة يمثل تهديدًا لحق المتهم في الدفاع عن نفسه
إضافة إلى ذلك، فإن استجواب سوار البرقاوي حول نشاطها السياسي، وطبيعة دورها في الحملة الانتخابية، وتوجيه أسئلة غير قانونية تتعلق بمحاميها، يشكل انتهاكًا لحقها في الحرية السياسية والحرية في التنظيم. وهذه الانتهاكات تشكل خرقًا للمادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تضمن لكل فرد الحق في الاشتراك في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية دون تدخلات غير قانونية. هذه الأسئلة تمثل هرسلة سياسية تهدف إلى ترهيب الناشطين السياسيين
كما لم تقف الانتهاكات في طور المحاكمة أو التحقيق، بل استمرت حتى أثناء فترة سجنها من خلال الإهمال الذي تعرضت له سوار البرقاوي أثناء فترة احتجازها، وسوء الظروف السجنية
وهو ما يتعارض مع التزامات تونس بموجب المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تضمن الحق في الرعاية الصحية والعيش في بيئة صحية، إذ يشمل ذلك مراكز الاحتجاز، وهو حق لكل إنسان، حتى لو كان مسلوبًا من حريته. كما تضمن المادة 5 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، التي تحظر المعاملة المهينة والقاسية
إن الانتهاكات التي تعرضت لها تشمل الاعتقال التعسفي، الحرمان من محاكمة عادلة، الهرسلة السياسية، المعاملة القاسية والمهينة، والتجاهل لحقوقها في الدفاع والرعاية الصحية. إذ أن هذه الانتهاكات تتناقض مع القوانين الوطنية والمواثيق الدولية التي تلتزم بها الدولة التونسية، مما يستدعي ضرورة محاسبة المسؤولين عن تلك الانتهاكات وإعادة النظر في الإجراءات القانونية لضمان العدالة. وتفضي إلى استهداف سياسي من خلال تطويع القضاء والقوانين من أجل سجن المعارضين السياسيين وحتى المنافسين، خاصة في الاستحقاق الانتخابي السابق

