الفتنة نائمة. لا توقظوها !!! (1)

شهر رمضان هذا العام في البلاد التونسيّة هو شهر « الفتنة » دون منازع. ففي البرمجة التلفزيّة التونسيّة اكتسح مسلسل « الفتنة » كلّ الدّيار و استطاع سامي الفهري منتج هذا المسلسل أن يستقطب، كالعادة، اهتمام الرّأي العام التونسي بما له القدرة على اختيار المواضيع الحرام الصادمة المستفزّة المفجّرة للجسور و الأسلاك الاجتماعيّة التّي لا صبر للمواطن حيالها أن يكون محايدا أو لا مباليا. هذا عن البرمجة التونسيّة أمّا البرمجة التلفزيّة العربيّة فعلى كثرتها و على ركاكاتها فإنّ مسلسلا قد شدّني إليه و لم يكن، هو كذلك، إلاّ طارحا للموضوع نفسه موضوع « الفتنة » و أعني به مسلسل « معاوية
و هذان المسلسلان، و إن كانا متناوليْن لقضيّة واحدة هي قضيّة « الفتنة » فإنّ كلّ واحد منهما مباشر « للفتنة » بمفهوم مختلف من مفاهيمها و أسلوب مختلف من أساليبها. ذلك لأنّ « الفتنة »، و الحمد لله، فنونٌ من الفتن و ألوان من التمظهرات و الانفعالات
و قبل الكلام في هذين المسلسلين رأيت من المفيد أن ألقي نظرة خاطفة في ما يقوله لسان العرب في « الفتنة »، ذلك لأنّ معجمنا جامع لخميرة أذهاننا
أمّا المعنى العام المشترك المستفاد من الفتنة و من فعل « فَتَنَه » و أفْتَنه » فهو معنى الخروج بالمرء و الميل به عن القصد. قال « اللسان » : و فتنَ الرجلَ أي أزاله عمّا كان عليه، و منه قوله عزّ و جلّ : « و إن كادُوا لَيَفْتِنُونكَ عن الذّي أوْحيْنا إليكَ »(الإسراء73) و على هذا الأساس فإنّ الفتنة في اللغة العربيّة لا يمكن أن تكون إلاّ غواية منحرفة بالمرء من الاستقامة إلى الضلال سواء وقع المرء فيه أم لم يقع. و قد لا يكون للفتنة في لغات أخرى غير العربيّة هذا المعنى بالضرورة
و على هذا الأساس تكون « الفتنة » في العربيّة طُعْمًا لذيذا يكون له في النفس هوى و على الشهوة سلطان يستحيل أو يصعب على المرء الصمود حيال مغرياته. حتّى أنّ الشيطان كان معنى من معاني الفتنة. و قد اكتسبت « الفتنة » في القرآن معنى الابتلاء و الاختبار و الامتحان للتمييز في الناس بين الصلاح و الضلال كما تميّز « الفتنة » أي النّار بين الجيّد و الرّديء من المعادن
و مثلما حملت الفتنة في القرآن معنى « الابتلاء »، فقد حملت كذلك معنى فيما يكون فيه الابتلاء فقال تعالى « أنّما أموالكم و أولادكم فتنة » (التغابن15) و جاء في الحديث : « إنّي أرى الفِتنَ خلالَ بيوتِكم » فقصد « بالفتنة » كلّ أصناف الضلال في الدنيا من كفر و قتل و حرب و رغبة في الدّنيا و رغبة عن الآخرة
و قد أبقينا، في الخاتمة، عن قصد، آخر معاني الفتنة و أقواها ألا وهو فتنة النّساء. جاء عن الرسول قوله : « ما تركتُ فتنةً أضرَّ على الرّجال من النّساء ». و الفتنة هي الوقوع في حبّ المرأة أو حبّ النّساء بل إنّ من الشروح ما يفسّر الفتنة بأنّها الفجور. قال « لسان العرب » : فُتِنَ الرّجلُ…إذا أراد الفُجُور » و قال : فتنَ إلى النّساء فُتُونًا و فُتِنَ إليهنّ : أراد الفُجُورَ بهنّ
و هذا المعنى الأخير « للفتنة » هو معنى مركزيّ عليه تقوم عقلية اجتماعيّة عربيّة لا نرى المجتمع التونسي يتبنّاها اليوم عندما يسمّي البنت باسم « فاتن » أو يعبّر عن الواحد منّا المحبّ لشيء من الأشياء فيقول هو « مفتون » بحبّ الطبيعة أو حبّ الموسيقى أو حتّى بحبّ امرأة
الدكتورالهادي جطلاوي