Tunisie

الفتنة نائمة… لا توقظوها !!! (4) (رابعا و أخيرا)

لئن كانت « الفتنة » في المسلسل التونسي فتنة اجتماعيّة فإنّ « الفتنة » في مسلسل « معاوية » فتنة سياسيّة. و لقد كان بي مَيل إلى متابعة هذا المسلسل منذ البداية. هو بطبيعة الحال مسلسل تاريخيّ. و من هذا الجهة يتوسّم المتفرّج الاستفادة التاريخيّة من مرحلة مهمّة من مراحل تاريخنا الدّيني و السياسي، و يتوسّم قراءة طريفة مجسّدة لفترة من فترات ثقافتنا و حضارتنا الخارجة من البداوة إلى المدنيّة و يتوسّم قراءة في تبيّن ملامح شخصيّة إسلاميّة من أهمّ الشخصيات الفاعلة في منعطف سياسيّ خطير خارج بالدّين و الدّولة من العصر الراشدي إلى العصر الملكيّ

و ما دام المسلسل قراءة في التاريخ فإنّه من الطبيعيّ أن يختلف مع كاتبه و مخرجه فيما قد يكون تصوّره من « الحقائق » و الأحداث التاريخيّة أو ما يكون تصوّره من المعالم الجغرافيّة و الثقافيّة أو ما يكون تصوّره من الملامح في شخصيّات الأبطال و إدارة الأحداث

و مع كلّ ذلك و غير ذلك فإنّ في هذا المسلسل جودة في كتابته و بنائه و تصويره و كفاءة في أداء ممثّليه و رسما لشخصية معاوية تزيدك تدقيقا في ملامحه و تأكيدا لما تكون قرأت عنه في قوّة شخصيته و الدّور المحوري الذي لعبه في مسيرة التاريخ

و الحقّ أنّ قراءة التاريخ و استحضار الماضي إنّما هو، في الغالب، ضرب من الإسقاط على الحاضر و استئناس في تدبّر المستقبل. و من هذه الجهة كان من المفيد الالتفات إلى سيرة سياسيّ من حجم معاوية في لحظة من لحظات انطلاق العرب نحو الحضارة و العالميّة

و أنا، في مثل هذا الموقف المستأنس بالتاريخ، متناسٍ ما ثبت في كتب التاريخ عن دهاء معاوية و إدارته لصالحه لفتنتين إحداهما في إزاحة عليّ بن أبي طالب عن الخلافة بقميص عثمان و الثانية في حشد الأصوات لمبايعة ابنه يزيد و تحويل وجهة الخلافة إلى نظام ملكيّ وراثيّ، و أنا متوقّف عند خصال رأيت أنّ كاتب المسلسل كان حريصا على إبرازها و التّمثيل عليها، منها الشخصية الكارزماتيّة لمعاوية بوزنه البدني و وسامته و رصانته و بلاغة لسانه و ثباته و رجاحة عقله فقد كان لمعاوية في المسلسل سند حزبيّ أمويّ يقابله حرص على ازدهار أمّة جامعة عربيّة و إسلاميّة و ذمّيّة و كان في معاوية قناعة بأنّ مخالفة الناس له حقّ و أنّ الجنوح إلى الصلح و المفاوضة واجب ما استطاع إليه سبيلا و أنّ للكلمة الطيّبة نفوذا أمضى من نفوذ السّيف و إراقة الدّماء وأنّ العفو جميل عند المقدرة و كان في معاوية تفانٍ في خدمة الأمّة و الاستجابة لمطالبها و التأسيس لهياكلها العدليّة و الإداريّة

و لا أخفي عليكم أنّني كنت مبصرا لمعاوية بعين و كانت عيني الثانية ترنو، في الوقت نفسه، إلى حاضر عربيّ و تونسيّ مفتقد في إدارته إلى أمثال معاوية من الرجال و النساء الخطّائين قليلا و القادرين الوطنيين كثيرا

الدكتور الهادي جطلاوي