Tunisie

إجابة على رسالة محسن مرزوق إلى قيس سعيد

لولا اختيارك مجبرا التوجه اليه علنا لفضلت الرد على رسالتك المفتوحة للرئيس قيس سعيد برسالة مغلقة عن طريق الماسنجر نظرا لخطورة الموضوع وكثرة من يصطادون في المياه العكرة. كتبت الرد، بل من الاحرى أن أقول التعليق لأن الرئيس الملهم ليس بحاجة لأمثالي، وأمثالك للرد، والتفنيد، والنصيحة. لديه وحوله ما شاء الله من خبراء وعلماء ومحنكين في السياسة والقانون والاقتصاد والعلاقات الدولية والجيوسياسية والاستراتيجية والاستشراف ما يخول له تسيير الدولة بفلسفة الفرابي وبعقل كارل شميت وحنكة كينز وذكاء نابليون ودهاء معاوية وعدل عمر وبراغماتية كيسنجر ووطنية دي غول…ناهيك عن الجنود المجندة والمتطوعة للدفاع على عبقريته وسيادته ان كان ضالا أو مصيبا ظالما أومظلوما

أولا قيس سعيد لم يفتتح سياسة التقارب الأيديولوجي والاستراتيجي مع إيران. بل من فتح هذا السجل المفخخ الذي تحول في السنوات الأخيرة الى تبعية هم الاخوان اللذين حكموا تونس مع شركائهم في اقتسام الكعكة أي الباجي قائد السبسي وحزبه غير المأسوف عليه نداء تونس. وعلى سبيل الذكر لا الحصر أليس في عهد الترويكا والباجي وقع عدد من الاتفاقيات الثقافية والجامعية بين تونس وإيران! أليس في عهد الباجي سنة 2017 تم توقيع اتفاقية الشراكة والتعاون الاقتصادي بين البلدين

ولا فائدة هنا للتبرير أن حركة النهضة سنية مما يجعل تحالفها مع النظام الإيراني غير معقول، بل مستحيلا. النهضة لا عقيدة لها ولا ثوابت ولا مبادئ دون الحكم والاثراء. وعلى أصحاب هذا المنطق السفسطائي والسطحي أن يقرأوا التاريخ وأن يطلعوا على فكر الامام الخميني ومسيرته وانتمائه الأول الى حركة الاخوان بقيادة حسن البنا والسيد قطب. وعلى ذكر أهل السنة والشيعة وبدون الخوض في الجدل البيزنطي حول أصول الفتنة الكبرى وعواقبها وتبعاتها التاريخية علينا أن ننتبه جيدا الى خطورة توظيف الخلاف السني الشيعي كما هو الحال اليوم والتهكم على الشيعة بصفة عامة ووصفهم بأبشع النعوت منها « الروافد » على ألسنة الدواعش النتنة هو خطأ أخلاقي وسياسي يغذي الأحقاد والشقاق والتفرقة بين عناصر الأمة الواحدة والمستهدفة ككل. وقد تفطنت المملكة العربية السعودية للخطر الوجودي عندما تصالحت أخيرا مع إيران برعاية صينية. وعلى أَهْل الحَل والعَقْدِ …والعُقَدِ بتونس أن يتعاملوا مع إيران بدهاء الفرس وليس بتقية الشيعة

ثانيا السبب الأول والأساسي في تلاشي السيادة الوطنية والتربص بمصالح البلاد العليا هو انقلاب 14 جانفي 2011 الذي فتح أبواب تونس على مصراعيها وجعلها عرضة لمطامع الدول الدنيئة وخاصة الشقيقة. ومن بلد آمن مستقر مزدهر وذات سيادة أصبحت تونس منذ الانقلاب دولة هشة متسولة ومرتعا لمخابرات العالم بأجهزتها المباشرة وغير المباشرة كالشركات التجارية والجمعيات المدنية والمنظمات الخيرية…. دولة هجرها شبابها المهمش غرقا في البحار وبحثا عن لقمة العيش وتركها أبرز اطاراتنا الطبية والهندسية نحو أوروبا وكندا والمغرب … دولة مهزومة وذليلة يتعاقب على زيارتها جون ماكين ومادلين أولبرايت وجورج سوروس وبرنار هنري ليفي وغيرهم من أنصار الثورة البوعزيزية والربيع العربي. وهنا يكمن القاسم المشترك بينك وبين قيس سعيد وراشد الغنوشي … ومعظم النخب السياسية الجديدة باستثناء المناضلة الشريفة والحرة عبير موسي. وما دامت أسطورة الثورة الشعبية والعفوية « حقيقة » منزلة لم ولن تقم قائمة للبلاد

قالها الزعيم الخالد الحبيب بورقيبة في خطاباته العديدة « تطاحن أبناء نفس الشعب يؤدي الى الفوضى والفوضى تهدد استمرارية وبقاء الدولة لأنه في انهيارها « تتفرت » الأمة ويذل شعبها وتطمع فينا الدول »… وفي خطاب آخر سنة 1967 قال ان : أكبر خطر يهدد الأمة هي جرثومة التفرقة وخطر آخر يصعب التغلب عليه عندما يخرب الانسان بلاده ووطنه بأياديه في حين أنه يقصد إصلاحه

ثالثا وهي شهادة سبق وأدليت بها في الطبعة الأخيرة من كتابي « الوجه الخفي للثورة التونسية 12 سنة بعد الانقلاب » الصفحة 218 حيث رويت فحوى لقائي بسفير الولايات المتحدة الأمريكية بباريس يوم 15 جانفي 2011. باختصار سألته لماذا تونس ولماذا الاخوان ألم تكن ادارتكم مع انتقال السلطة من الرئيس بن على الى كمال مرجان. أجابني بكل صراحة « فعلا وأنا شخصيا كنت صديقا للسيد كمال مرجان عندما كان سفير تونس لدى الأمم المتحدة بجنيف أين كنت أمثل بلدي. مشكلنا مع كمال مرجان أنه كان دائما يرفض التصويت للقرارات ضد إيران

هكذا كان يتعامل كمال مرجان شفاه الله ليس اجتهادا منه وانما تطبيقا للسياسة الخارجية ذات الثوابت البورقيبية للدولة التونسية برئاسة المغدور والمرحوم زين العابدين بن علي والذي دفع غاليا ثمن وطينته وحرصه على سيادة واستقلال البلاد…قولا وفعلا.  » كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب »

المازري الحداد باريس 12 فيفري 2025