Tunisie

سجنت سنية الدهماني لأنها اختيرت لتكون كبش فداء على مذبح الترهيب

تقبع الأستاذة سنية الدهماني في غياهب السجن منذ أكثر من عام، لا لذنبٍ اقترفته، ولا لجُرمٍ ثبت عليه دليل، بل لأنها عبّرت عن رأي، وصدحت بكلمة، ولم تتردّد لحظةً في ممارسة حقّها الأصيل في التعبير؛ ذاك الحقّ الذي تكفله المواثيق، وتصونه الدساتير، وتُقدّسه ضمائر الأمم الحيّة

ثمانية أشهر أمضتها خلف القضبان، لأنّها نطقت بعبارة “البلاد الهايلة”، وها هي اليوم تُثقل بسنةٍ ونصف أخرى، بحكم استئنافيّ نهائيّ، فقط لأنها تجرّأت على توصيف الواقع كما هو، وقالت، في لحظة صفاء وصدق: إنّ العنصرية في بلادنا ليست وهمًا ولا مزاعم، بل هي واقع متجذّر، مأساة يومية، يتنفسها ضحاياها في صمتٍ موجِع

وإن صمتت المحكمة عن تعيين جلسة لتعقيب هذا الحكم، فإنّ التاريخ لن يصمت، ولن يرحم أولئك الذين جعلوا من الرأي تهمة، ومن الكلمة جناية، ومن الصوت الحرّ خصمًا يجب قمعه وإسكاته

لقد رأينا بأعيننا، لا بأعين غيرنا، ضيق العيش، وغلاء المعيشة، وتآكل المقدرة الشرائية، واستفحال الفقر، وانسداد الأفق، ورأينا المآسي تتكرر، من مزونة إلى غيرها، في مشاهد لا تليق بدولة تدّعي احترام الحياة

ورأينا العنصرية تتغوّل، لا كظاهرة عابرة أو سلوك فردي شاذ، بل كممارسة ممنهجة، تُغذّيها خطابات الكراهية، وتصمت عنها الدولة صمتًا مُريبًا، بل وتُتيح، من حيث تدري أو لا تدري، لمن نصبوا أنفسهم “أمنًا موازيًا” أن يحتجزوا ويستنطقوا ويهينوا كرامة المهاجرين

سنية لم تُسجن لأنها الوحيدة التي رفعت الصوت، بل لأنها اختيرت لتكون كبش فداء على مذبح الترهيب. ترهيب طبقة فكرية وثقافية ونخبوية أرادت السلطة أن تخرسها، أن تُنهي حضورها في الفضاء العام، أن تطفئ بها آخر شموع الوعي الحر

لكن ما لم تفهمه السلطة، وما لن تفهمه يومًا، هو أن القيد لا يُلغي الصوت، وأن الزنزانة لا تخمد الفكرة، وأن من شربوا من نبع الحرية لا يُشبهون من اعتادوها صدقةً تُمنح

ما دام فينا نَفَس، ففي كلّ نَفَس كلمة، وفي كلّ كلمة مقاومة

لن تُرهبنا المحاكمات، لا لمراد، ولا لسنية، ولا لأحمد صواب، ولا لأيّ حرّ ما زال يؤمن، وسط هذا الظلام، بأنّ تونس تستحقّ أن تكون أفضل… وأجمل… وأعدل

المحامي سامي بن غازي

[embedded content]