أين هي اللجنة؟
![](https://1001infos.net/wp-content/uploads/2025/02/d8a3d98ad986-d987d98a-d8a7d984d984d8acd986d8a9d89f.jpg)
غطى الاهتمام بوزيرة المالية وهي تغادر السلطة من الباب الصغير في مشهد مذل ومهين على السؤال الخطير الذي طرحه رئيس الجمهورية: (أين هي اللجنة؟)
واللجنة التي خرج الرئيس يبحث عنها في شوارع العاصمة متنقلا من شارع محمد الخامس إلى القصبة وهو كعادته في قمة الاستياء والغضب والتشنج، كان يمكنه العثور عليها بسهولة وهو جالس في مكتبه بقصر قرطاج داخل تقرير لدائرة المحاسبات نشر للعموم منذ أكثر من سبع سنوات
في هذا التقرير أجوبة على كل الأسئلة التي طرحها الرئيس وهو يردد أن لا شيء تحقق على أرض الواقع، وأن الفترة الزمنية التي استغرقتها المصادرة كافية لإنجاز عديد المشاريع في دول أخرى. وإذا اعتبرنا أن هذه الجملة وحدها تمثل اعترافا صريحا بالفشل من أعلى صوت في الدولة، فإن ما جاء في تقرير دائرة المحاسبات يفسر هذا الفشل بطريقة موضوعية ويعدد أسبابه بوضوح ليس بعده وضوح
يردد الرئيس وهو في فورة الغضب أن هذه الأملاك المصادرة هي (أموال الشعب) وينبغي أن تعود إليه، والواقع يؤكد أن الشعب أصبح ينفق على الممتلكات التي انتزعت من أصحابها وعادت إليه! والمضحكات المبكيات في هذا المجال عديدة، منها مثلا أن المعرض الذي نظمته حكومة الترويكا للممتلكات المصادرة في 2013، لم تغط مداخيله إلا 40% من جملة مصاريفه ثم ماطلت اللجنة سنتين كاملتين في إرجاع المقر الذي تسوغته مكلفة خزينة الدولة مبلغا قدره مليار من المليمات لغلق الملف بالتراضي، وهكذا أنفق هذا الشعب الطيب الذي يريد أن يتشفى في (الطرابلسية) مليارين وهو في منتهى السعادة الثورية كي يمكِّن وزيرة المرأة (سهام بادي) من التقاط صورة تذكارية مع حذاء ليلى بن علي
والنماذج الدالة على الفشل عديدة في هذا التقرير، فكثير من الشقق والفيلات المنتزعة من أصحابها لا تباع بسبب غياب شهادة ملكية يصعب أو يستحيل استصدارها، وكثير من الضيعات الفلاحية لا يمكن التفويت فيها لموانع قانونية، كما إن القصور والفيلات الضخمة في حاجة إلى صيانة مستمرة وتعهد دائم وحراسة يقظة، فضلا عن أن السيارات الفخمة أهملت إلى أن تراجعت قيمتها في السوق، أما المؤسسات فسار أغلبها إلى الإفلاس واضطرت الدولة إلى تحمل عبئها الاجتماعي، وما حدث لإذاعة (شمس اف ام) ليس فريدا من نوعه بل هو ما علمنا به لارتباطه بمجال الصحافة والإعلام أما ما خفي فهو أعظم
وهكذا يدفع التونسيون ضرائب باهظة لا ليتمتعوا بمرافق عمومية لائقة، بل لينفقوا على المؤسسات العمومية الخاسرة كالخطوط الجوية ومصانع الورق والتبغ والسكر، وليحرسوا قصور بن علي وضيعات الطرابلسية القدامى والجدد، ويسددوا ديون شركاتهم المصادرة وهي في طريقها إلى الإفلاس، فضلا عن تمويل الشركات الأهلية والمشاريع الهلامية، ولهذا يبدو أن إيقاف عملية المصادرة أكثر جدوى من مواصلتها. لأن المصادرة (فعل ثوري) بامتياز والسواد الأعظم ممن عهد إليهم بهذا الفعل لا يستطيعونه أو غير مقتنعين به
إن فشل الدولة إذن في إدارة الأملاك المصادرة والتصرف فيها بشكل جيد لا يعود فقط إلى الدور الذي تلعبه مراكز القوى المرتبطة مصالحُها بمن صودرت أملاكهم فقط، (وهو الأمر الذي ما ينفكّ الرئيس يردده ويفسّر به كل شرور العالم!)، بل هو أيضا خليط عجيب من البيروقراطية المتحجرة والتشريعات الجامدة وانعدام الكفاءة والخبرة والنزاهة لدى أغلب من اعتلوا ظهر السلطة في مختلف مستويات الحكم خلال أربعة عشر عاما، فضلا عن موت الضمير لدى البعض منهم، ونية البعض الآخر الفاسدة، وخصوصا سهولة استحمار هذا الشعب المسكين واستغفاله بالشعارات البراقة. ولذلك فإن اللجوء إلى أسلوب (كبش الفداء) لا يعني مواجهة الواقع بشجاعة، بل إمعانا في الهروب منه
بقلم عامر بوعزة